«لم تتحمل ميلاني (11 سنة) محاولات صديقتها المقرّبة سارة السيطرة عليها في كل أمورها إلى درجة شعرت فيها بأنه لا بد من قطع العلاقة بها.
فسارة تغضب إذا ما قررت ميلاني التحدث إلى فتاة أخرى أو القيام بنشاط مع رفيقات أخريات لا تحبهن، وإذا لم تنصعْ ميلاني لإرادتها فهي ليست صديقة حقيقية.
هكذا كانت تقول ميلاني عن أسباب قطع علاقتها مع صديقتها التي كانت تمضي عطلتها الأسبوعية معها، ولا تبدي أي ندم لقطع صلتها بها فقد طفح الكيل».
هل أصابت ميلاني في قرارها؟ وماذا تعني الصداقة بالنسبة إلى بنت في بداية مرحلة المراهقة؟ وإلى ماذا يشير سلوك سارة؟ وماذا على الأهل القيام به عندما يتخلى أبناؤهم المراهقون عن أصدقائهم المقرّبين؟
«لها» التقت الإختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.
في البداية تقول عازار: «تتصف المراهقة بالصراعات الداخلية والخارجية التي تؤدي حسب طبيعتها إلى النمو المتقدم عند المراهق.
وأول مظاهر النمو هو محاولة المراهق التحرر من العلاقة الانصهارية مع أهله، والبدء بالبحث عن علاقات جديدة خارج إطارهم. وتعتبر الصداقة بالنسبة إليه أولى الخطوات نحو التحرر من أهله.
فمن الملاحظ في هذه المرحلة تعلّق المراهقة بفتاة أخرى (الصديقة الحميمة).
لذا من المألوف رؤية صورة الصديقتين الحميمتين اللتين تتشابهان في كل الأمور وكأنهما توأمان سواء في طريقة اللباس أو تسريحة الشعر أو الاستماع إلى النوع الموسيقي نفسه، إضافة إلى الانسجام في طريقة التفكير.
وهذا الاتجاه الجديد في العلاقة يعتبر مهمًا لتحقيق النضج في شخصية الفتاة».
- ماذا يجدر بالأهل فعله عندما تحدث مشكلة بين ابنهم المراهق وصديقه؟
في البداية لا يجوز للأهل الاستخفاف بالمشكلة والكلام عليها كما لو أنها مسألة سخيفة وتحصل دائمًا، فهناك كثر من الأهل يقولون «عادي، غدًا تنسى المشكلة وتتصالحان، وهذه المشكلة ليست آخر الدنيا»، فيما يشعر المراهق بأنها مشكلة كبيرة جدًا، واستخفاف الأهل قد يساهم في تعزيز شعوره بالقهر.
لذا على الأهل أن يتذكروا أنفسهم عندما كانوا في سنه: ألم يكن نشوب مشكلة بين أحد الأصدقاء كارثة تشغل تفكيرهم؟! وبدل الاستخفاف بمشاعره على الأهل التحاور معه وسؤاله عن الحل لمشكلته، لمساعدته في تحديد الأسباب وما إذا كان قراره صائبًا.
فابنهم أو ابنتهم لم تعد طفلة وصار لديها اهتمامات كثيرة والصداقة تكون أولها، مما يعني أنه إذا تشاجرت المراهقة مع صديقتها أو حدثت مشكلة صغيرة بينهما خلال اليوم، فإنها ستؤثر في أدائها وسلوكها طوال اليوم فيتشتت تركيزها على الدرس.
فإذا قال الأهل حسناً، يكون الأمر سهلاً عليهم لأنهم تخلّصوا من الموضوع، فيما المراهق لا يكون قد حل مشكلته.
- هل يمكن القول إن قطع ميلاني علاقتها بصديقتها المقرّبة أمر طبيعي ويحدث بين المراهقات الصغيرات؟
تجربة علاقة الصداقة الفاشلة والانفصال والصدمة كلها أمور ضرورية للمراهق كي يتعلّم تجاوز التجارب السلبية.
فهو لن يعيش في عالم وردي والتجارب السيئة ضرورية لنموه النفسي والفكري والعاطفي.
وميلاني لا تزال في بداية المراهقة، وهناك فارق بين أن يكون قرارها نتيجة انفعال عفوي أو بعدما طفح كيلها من صديقتها.
عندها يمكن الأم أن تسألها لماذا؟ وإذا كان جواب البنت لأنها آذتها مرات عدة، فهذا يشير إلى أنها منحتها فرصًا كثيرة ولم تقدّرها، عندها على الأم أن تقول لها برافو وتشجعها على قرارها.
- مَن من الصديقتين يمكن أن تشعر بالأسى أكثر؟
تبدو لي ميلاني بنتاً تتمتع بشخصية قويّة ومنفتحة في الوقت نفسه، فيما سارة هي أيضًا شخصيتها قوية ولكنها تحب السيطرة، وهذا يعكس المحيط العائلي لكل منهما.
ولكن من فرط ما تقوم الصديقتان بكل الأمور معاً وبالطريقة نفسها، شعرت ميلاني بأن هذه الصديقة الوفية تكتم أنفاسها فتقرر التخلي عنها بعدما منحتها عدة فرص لتغيير سلوكها السلطوي.
وهذه نتيجة حتمية للعلاقات المحصورة. في حين تشعر الصديقة المُتخلّى عنها بالأسى والحزن وتظن بأن الفتاة التي وثقت بها قد خانتها، وهي ستبحث عن فتاة أخرى تسيطر عليها وهذا مؤشر لأن هذه الفتاة إما ان والديها بالغا في تدليلها إلى درجة أنها تشعر بأنها تريد السيطرة على كل من حولها، أو أن لا أحد في المنزل يهتم لوجودها وبالتالي تبحث خارج محيطها العائلي عمن تستطيع السيطرة عليه ويثبت وجودها.
فكأنما بتخلي ميلاني عنها مرآتها قد انكسرت ولم تعد ترى صورتها التي تبرهن وجودها. وتظن أن الذي خسرته ليس الصداقة وحدها، بل هويتها التي بالكاد بدأت تحديد معالمها.
- هل يمكن أن تصاب المراهقة بالإكتئاب بسبب تخلّي صديقتها عنها؟
من المعروف أن فترة الاكتئاب والحزن التي تمر بها المراهقة بسبب تخلّي صديقتها لا تستمر طويلاً، ولكن يمكن أن تكون تجربة إيجابية ولو كانت محزنة.
فهي تعلّم المراهقة كيفية ترويض مشاعرها لتصير أكثر قابلية لتخطي الصعاب التي سوف تواجهها في المستقبل. وتخلّي الصديقة يساعدها في إدراك أهمية توسيع دائرة علاقاتها الاجتماعية.
لذا على الأهل أن يخففوا من وطأة الانفصال، وأن يدعموا ابنتهم نفسياً ويظهروا لها محاسن العلاقة التي ربطتها بصديقتها، وألا يحاولوا لوم ابنتهم إذا لم يكونوا راضين أصلاً عن هذه العلاقة، فاللوم يشعرها بالذنب لأنها لم تحسن اختيار صديقتها.
فمن الخطأ أن تقول الأم لابنتها مثلاً: «عرفتِ الآن لماذا لم أكن راضية عن علاقتك بنهى؟ كم مرة قلت لك أنها فتاة شريرة!». هذه العبارات تؤذي مشاعر البنت وتفقدها الثقة بنفسها، رغم حسن نية الأم التي تعمل دائماً على حماية ابنتها من كل ما يمكن أن يسبب لها حزناً.
المصدر msn
0 التعليقات:
إرسال تعليق