هسبريس – ماجدة أيت لكتاوي
أمانة كبيرة، وساعات عمل طويلة تمتد من السابعة والنصف صباحا إلى الخامسة مساء في انتظار مجيء الآباء والأمهات من مقرات عملهم لاصطحاب أبنائهم الصغار، لا تشفع لكثير من المربيات والمعلمات داخل روض الأطفال بالمغرب للحصول على رواتب محترمة تكفي حاجتهن ويستطعن عبرها ضمان كرامتهن.
إلى ذلك، تعمد شابات حاصلات على شواهد جامعية إلى جانب أخريات لم ينلن حظا وافرا من التعلم على حد السواء، من قرع أبواب روض الأطفال الذي يبقى سهل الاقتحام بالرغم من تدني الرواتب التي لا تصل أعلاها 1000درهم شهريا، مقارنة مع أبواب مؤسسات للعمل كل حسب تخصصها، ليرضين بالقليل هروبا من البطالة وروتين البيت أو الشعور بكونهن لا زلن عالة على أسرهن، إلى حين تقنين المهنة وتشديد الرقابة.
فاطمة.. رسالة عظيمة وأجر زهيد
فاطمة البالغة من العمر 32 سنة والتي تشتغل بإحدى روض الأطفال منذ خمس سنوات براتب وصل إلى 1000درهم، أقرت بأن العمل في رياض الأطفال متعب جداً، بسبب التعامل اليومي والمستمر مع أطفال صغار، يكثر صراخهم وبكاؤهم ولا يعرفون شيئا، إضافة إلى صعوبة انضِباطهم.
وتتابع فاطمة، أنه بالرغم من جسامة مسؤولية المربيات في الحضانة وعِظَم الرسالة التعليمية التي تحملنها تجاه أطفال صغار لا تتجاوز أعمارهم 5سنوات، والتكفل بتعليمهم النواة الأولى في مجال الكتابة والقراءة والآداب الإسلامية، فإن الأجور لا تكفي لسد حتى مصروفنا الشخصي؛ أو المساعدة في مصاريف أبنائنا الصغار”.
وعن السر وراء قبول فاطمة بالعمل بذات الأجر بالرغم من أقدميتها وتجربتها الممتدة سنين، أوضحت المتحدثة، أن أصحاب روض الأطفال يستغللن وضعيات اجتماعية واقتصادية تعيشها المربيات والمعلمات عبر القبول بأي راتب حتى قبل البدء بالعمل وإلا سيتم استبدالها في الحال، فلا عقدة عمل ولا حقوق”.
بشرى.. في انتظار البديل
لم يتبق أمام بشرى ذات الـ 23 ربيعا والمجازة في مادة الجغرافيا، سوى الموافقة على العمل في إحدى روض الأطفال بـ 500 درهم شهريا منذ قرابة خمسة أشهر، حتى تُغْني نفسها سؤال والديها نقود مصروفها الشخصي، تقول بشرى ” أعمل منذ بداية السنة الدراسية الحالية بهذا الأجر الذي على بساطته يوفر لي “فْلوس الحمّام” على الأقل”.
وتوضح بشرى لهسبريس أن ما جعلها تقبل بهذا العمل على هزالة أجره، رفضها البقاء في البيت بدون عمل يذكر وهي التي تعودت على الدراسة والخروج إلى الجامعة وملاقاة صديقاتها والمذاكرة معهم، ” المهم بالنسبة لي هو أن أشغل وقتي “حتّى يْحن الله” وأتمكن من الحصول على فرصة عمل أفضل “.
وتضيف بشرى، أن وقتها كاملا أصبح مخصصا للعمل الجديد، ” نقضي طيلة اليوم مع الأطفال خصوصا منهم أبناء الموظفات، نسهر على دراستهم وتقديم وجبات الطعام لهم والحرص على نظافتهم، وحتى إمداد المرضى منهم بالأدوية تحت توصيات الآباء، ثم تصحيح دفاتر الصغار والإعداد لدروس الغد وهكذا”.
لبنى.. ظروف معيشية صعبة
أما لبنى والتي لم تتجاوز بعد 16سنة، فتعترف لهسبريس بكونها رفضت العودة إلى مقاعد الدراسة بعد رسوبها في اجتياز امتحان المرحلة الإعدادية، مفضلة الاشتغال لدى إحدى روض الأطفال بأجر متدنِّي لمُساعدة والديها بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة، ” أُساعد في مراقبة الأطفال الصغار والإشراف على مدّهم بالأكل، ومساعدة باقي المعلمات في تحفيظ بعض السور القرآنية أو الأناشيد”.
وتضيف لبنى أن “فشلها” في الدراسة إلى جانب الظروف الاقتصادية جد الصعبة، مع عمل والدها المتواضع والمنقطع إضافة على باقي إخوتها الصغار، جعلها تفضل العمل ومدخوله”. وعند سؤال هسبريس عن صغر سنها باعتبارها لا زالت قاصرا وتحملها مسؤولية أطفال في مراحل الطفولة المبكرة، أجابت لبنى بـ”ابتسامة وإيماءة دون أن تنطق بكلمة”.
السرات: مربيات الرياض مضطرات.. والطفل هو الضحية
من جهته، يرى حسن السرات متفقد تربوي بالتعليم الأولي، أن مربّيات رياض الأطفال يلجن هذه المهنة اضطرارا في كثير من الحالات، إذا لم يجدن عملا غيره. “ومن هنا تبدأ المحنة المادية والمعنوية التي يعاني منه هذا القطاع. والحال صحيح بالنسبة لكثير من المستثمرين فيه من الذين ليس لهم قصد تربوي وغاية تربوية بالدرجة الأولى، بل القصد والغاية هي الربح التجاري”.
وأوضح السرات في تصريح لهسبريس، أن الجشع والطمع لدى المستثمرين يجعل المربيات ضحية الحاجة التي يُعانين منها من جهة ونتيجة الجري وراء الربح المالي لدى الرؤساء والمُلاّك؛ متسائلا ” كيف ننتظر أن يكون حال العاملين والعاملات في المؤسسات الحرة وروض الأطفال، إذا كان رجال ونساء التعليم بالقطاع الحكومي لا تنقطع شكواهم من الحاجة والرغبة في تحسين الحالة المادية رغم أنهم أحسن حالا من القطاع الحر مع تميزهم بالحماية النقابية والحماية القانونية”. وعلاوة على ذلك، أفاد السرات أن النسبة الساحقة من المربين هن نساء، الأمر الذي يجعلهن في موقف ضعف، فمن المعلوم أن النساء أكثر تبعية وأقل احتجاجا ومطالبة بحقهن في الشغل.
ويرى المتفقد التربوي، أن ظروف المربيات لها انعكاسات سلبية على العملية التربوية، معتبرا أن الضحية في نهاية المطاف هو الطفل الصغير الواقف على عتبة التعلم والاندماج في المجتمع، “وهذا هو مربط الفرس والتفسير الجلي لفشل المنظومة التعليمية في بداياتها”، مقترحا تدخل الدولة بشكل من الأشكال لمعالجة شاملة ومندمجة تشمل الجانبين التربوي بالتكوين الجيد قبل الولوج والتكوين المستمر، والجانب المالي والقانوني.
المصدر msn
0 التعليقات:
إرسال تعليق